شلّة
المزرعة، ما لها وما عليها؟
محمّد
جلال أحمد هاشم
الخرطوم
ــــ 28 أغسطس 2020م
"شلّة المزرعة": التّعريف
بالمصطلح والمهام
"شلّة االمزرعة"
مصطلح يقصد به مجموعة من الأشخاص يُزعم بالتقائهم بطريقة دوريّة، وربّما يوميّة أو
أسبوعيّة، في مزرعة معلومٍ صاحبُها، ذلك لمناقشة أوضاع البلاد، تقديماً للمشورة
لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك، أو اتّخاذاً للقرارات بالنّيابة عنه وبرضاه. وهم،
بهذه الصّفة الاستشاريّة، ليسوا بالضّرورة كلّهم ضمن طاقم مكتب حمدوك؛ ففيهم من هو
جزء من الشّلّة، يخوض فيها مع الخائضين، بالرّغم من أنّه ليست لديه أيّ صفة رسمية.
والصّفة الغالبة لكبار أعضاء شلّة المزرعة هي أنّهم كان زملاء دراسة بالجامعة
لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك.
كثيراً ما توجّه أصابع
الاتّهام لهذه الشّلّة بصورة عامّة، أو لأحد أعضائها بصورة خاصّة، بزعم التّدخّل
في شئون الحكم بصورة سافرة، يعلمها الجميع، ولو كانت من وراء حجاب لا يحجب شيئاً
في بلدٍ لا تعرف الأسرار. وعلى هذا، فإنّ جميع استشارات وقرارات شلّة المزرعة،
مجتمعين أو منفردين، تظهر للعلن في شكل مؤامرات تُحاك من وراء ستائر الدّولة. ولكن
هذه الصّورة فيها ظلم كبير لشلّة المزرعة. فبحكم التصاق عضويّة شلّة المزرعة برئيس
الوزراء، عبدالله حمدوك، ثمّ بحكم ضعف شخصيّة رئيس الوزراء وتحاشيه تحمّل
المسئوليّة، هذا بجانب انبهام الرّؤية، فإنّ أيّ شخص يجد نفسه في حضرة رئيس
الوزراء بطريقة مستمرّة، من قبيل المستشارين، سوف يجد نفسَه متورّطاً لا محالة في
اقتراح الحلول للمشاكل الطّاغية التي تعمُر بها البلاد، ويقف حيالها رئيس الوزراء
وهو مندهش، تلُفُّه الحيرة. أكثر من ذلك، فإنّ رئيس الوزراء، في سعيه الدّائم
لتحاشي تحمّل مسئوليّته كرئيس للوزراء وللحكومة الانتقاليّة، يدفع مستشاريه دفعاً،
من باب الحرص عليه وإظهاره بمظهر رجل الدّولة الحقيقي، إلى ملء الفراغات التي
يخلقها هو جرّاء ضعف شخصيته وتهرّبه المستمرّ من تحمّل مسئولية إدارة البلاد. وبما
أنّ هؤلاء المستشارين الذين يملأون مكتبه لا يملكون غير تقديم المشورة، دون اتّخاذ
القرارات، فإنّ أيّ قرار يتّخذونه، أو يعملون عبر صلاحيات رئيس الوزراء لإنفاذه،
يظهر للنّاس والشّعب في صورة مؤامرة، ذلك بحكم أنّ هؤلاء المسشارين لا يملكون
صلاحيّة تسيير دفّة البلاد. ولهذا، ليس هذا ما يهمّنا، بل ما يتّخذونه من قرارات وتبعاتها.
"شلّة المزرعة": الخلفيّة
الفكريّة
ممّا يُعرف عن شلّة المزرعة
بالضّرورة أنّهم جميعاً كانوا أعضاء في الحزب الشّيوعي، ثمّ غادروه طوعاً أو
مُكرهين. وعلى هذا يمكن النّظر إليهم على أنّهم، بصورة أساسيّة،
"مرافيد" الحزب الشّيوعي، بالرّغم من أنّ فيهم من كانت علاقتُه بالحزب
مجرّد الصّداقة عبر ما يعرف بالجبهة الدّيموقراطيّة إبّان الدّراسة الجامعيّة. هذا
مع أنّ هناك معلومات تفيد بوجود أعضاء لم يكونوا يوما ينتمون لقبيلة الشّيوعيّين
والجبهجيّة الدّيموقراطيّين. وهذه معلومة هامّة للغاية في تحليلنا للطّبيعة
الأيديولوجيّة لشلّة المزرعة (وبالطّبع لعبدالله حمدوك بالضّرورة). هنا لا يهمُّنا
من فارق خطّ الماركسيّة عن تحرّر فكري.
أدناه سوف نناقش الخلفيّة
الفكريّة لشلّة المزرعة لنتعرّف على أثر العامل الذي جمعهم، ألا وهو الحزب
الشّيوعي، وكيف ولماذا غادروا صفوفه، ثمّ كيف يؤثّر هذا في مجمل تفكيرهم وأدائهم.
وتكمن أهمّيّة هذا من حقيقة أنّ هذه "الشّلّة" أصبحت الآن، عبر تمكين حمدوك
لها، تتحكّم في جانب هام وخطير من المرحلة الانتقاليّة التي بدورها تعتبر أخطر
مرحلة يمرّ بها السّودان منذ الاستقلال وإلى الآن. أدناه سوف نبدأ بتحليل عامل هام
داخل بنية الحزب الشّيوعي، فكراً وتنظيماً، لعبت دورها، وبطريقة استمرّت لحوالي
نصف قرن على أقلّ تقدير، في تنفير أجيالبعد أجيال من عضويّة الحزب الشّيوعي
المخلصة وتحويلها، أوّلاً، إلى "المبتعدين" (وهو المصطلح الذي تعامل به
معهم المؤتمر الخامس للحزب الشّيوعي السّودان في سابقة تعتبر الأولى من نوعها في
تاريخ هذا الحزب)، ثمّ لاحقاً المستقيلين و/أو المفصولين. وجميعهم نتعامل معهم مجازيّاً
بتعبير "مرافيد" الحزب الشّيوعي، أي الذين استقالوا من الحزب أو قام
الحزب بفصلهم، ذلك طالما حدث لهم ذلك دون أن يتحرّروا فكريّاً من الماركسيّة.
الحزب الشّيوعي: ما بين
المشكلة الفكريّة وأزمة الأبراتشيك apparatchik
المشكلة الفكريّة التي
نتحدّث عنها هنا لخّصها القيادي البارز وعضو اللجنة المركزيّة السّابق، الأستاذ
سليمان حامد بقوله في مقابلة صحفيّة: «الحديث عن الاشتراكيّة الآن وهم، ناهيك عن
الشّيوعيّة» (جريدة الصّحافة 4/6/2008م). فإذا كان هذا كهذا، علينا أن نتساءل عن
الأهداف ذات الأساس الفكري التي يعمل الحزب على بلوغها. فهل يا تُرى هذا يعني أنّ
الحزب قد استهلك طاقته الفكريّة، بينما لا يزال يحتفظ بطاقته التّنظيميّة بدرجة أو
بأخرى؟ إذا كان الامر كهذا، فإنّها مسألة وقت حتّى يموت هذا الحزب سريريّاً.
ولكنّا، في الجانب الآخر، لا نستبعد أن يقوم الحزب بتجديد نفسه فكريّاً، كأن
يتبنّى فكراً جديداً غير منبتّ الأصول عن منابع ماركسيّته الأولى بالضّبط كما فعل
قرامشي وكما حاولت مدرسة فرانكفورت من قبل. لكن المعضلة dilemma التي يواجهها الاحتمال الثّاني هو
أنّ الواقع يشير بوضوح إلى أن مسألة ابتناء فكر جديد سوف تقع بالضّرورة على عاتق
قيادة الحزب، أو على مباركتها له بالضّرورة. في هذه الحالة تبرز حقيقة أخرى ليست
أقلّ خطراً من حقيقة استهلاك التّنظيم لطاقته الفكريّة، ألا وهي أنّ العضويّة
القديمة التي لا تزال تنتمي إلى الفكر الشّيوعي في صيغته التي وصفها سليمان حامد
بأنّها قد أصبحت وهماً (كيفما كانت حالة هذا الوهم) يكون مطلوباً منها التّسليم بفكر
ربّما لم يدر في خلدها في أيّ يومٍ من الأيّام. هذه هي المعضلة dilemma التي يواجهها الاحتمال الثّاني.
كما أشرنا من قبل في مقالٍ لنا مبذول في الأسافير عن الحزب الشّيوعي السّوداني (الحزب الشّيوعي السّوداني: الله لا جاب يوم شكرك! https://www.blogger.com/blog/post/edit/25108190/8972072709695938144)،
في مثل هذه الأزمة يمرّ والحزب بإحدى حالتين خطيرتين: الأولى هي نزول قيادة الحزب،
عبر الأعضاء الأذكياء، على قلّتهم عادةً،، ذوي الشّكيمة الفكريّة الذين تُزعجهم
الأسئلة الفكريّة فلا ينالون قسطاً من الرّاحة إلاّ ليلجوا في مشكلة أخرى، إلى
القواعد وترفيع وعيهم بهذه المشكلة، ذلك حتّى يبرز التّجديد الفكري وكأنّه قد
انبثق من داخل قواعد الحزب. والأصل في هذه العمليّة أنّ الفكر لا يموت، كونه غير
قابل للنّفاد؛ فالذي يموت هو قدرة الأشخاص على الابتداع. فمن يعتقد أنّ الفكر الذي
كان يؤمن به قد مات، فليعلم أنّه هو الذي مات، وليس فكره.
الاحتمال الثّاني هو أن
تتصلّب القيادة السّياسيّة للحزب وتقف ضدّ أيّ محاولات تجديديّة. في هذه الحالة
الأخيرة قد ينحو هؤلاء الأعضاء ذوو الطّبيعة الفكرانيّة of intellectual nature إلى أحد احتمالين؛ الأوّل هو
الابتعاد عن التّنظيم، فلا هم يواظبون على حضور اجتماعاته ولا هم يقومون بدفع
اشتراكاتهم ... إلخ الواجبات التّنظيميّة. وكما أشرنا أعلاه، شهد الحزب الشّيوعي
حالة طاغية من هؤلاء إلى درجة تسميتهم بالمبتعدين، أي دون تطبيق اللائحة عليهم.
هذه الحالة عادةً ما تنتهي إمّا بالاستقالة أو بالطّرد من الحزب. الاحتمال الثّاني
هو انزواء هذه العناصر داخل أروقة الحزب والعمل في صمت لتدوير الفكر الماركسي
الثّر، غير النّافد، بغية ترفيع الوعي القاعدي بالمشكلة الفكريّة التي يمرّ بها
الحزب، في نفس الوقت الذي يُديرون فيها ربّما واحدة من أضخم المعارك الفكريّة
الدّاخليّة في تاريخ أحزابنا السّودانيّة المعاصر. وهم إذ يفعلون هذا، لا يعرفون
الاستسلام لليأس من نجاعة الفكر الماركسي، في نفس الوقت الذي لا يعرفون في الملل،
بجانب تنقيتهم لأنفسهم الأمّارة بالسّوء من أيّ نزعات انقساميّة. وعلى هذا فهم
يوالون قيادة الحزب المتصلّبة بالمودّة والاحترام والتّقدير، ذلك احتراماً لصادق
حرصها على الحزب.
إلاّ أنّ أكبر خطر يواجه
التّيّارات التّجديديّة الفكريّة الماركسيّة هو صعود الأبّراتشيك apparatchik لملء الفراغ الفكري الذي من
المؤكّد سوف تخلقه المشكلة الفكريّة. هؤلاء شغّيلة خليّة النّحل داخل أجهزة الحزب
حيث يتّصفون بوفائهم المطلق والأعمى للحزب، وهؤلاء هم الغالبية التي تمثّل عمدة
الأجهزة الحزبيّة العاملةapparat .
هؤلاء قد جرت تسميتُهم في أدبيّات الحزب الشّيوعي السّوفيتي بالأبَراتشيك apparatchik، حيث يُعرف عنهم عدم انشغالهم
بالفكر، إذ لا تشغلهم مزعجاتُه وعادةً ما يكتفون بالخطوط العامّة منه. إلاّ أنّ هذه
المجموعة تتمتّع بشأن خطير في الحزب كونها تقوم بحراسته تنظيميّاً ومنشطيّاً،
بينما تقوم المجموعة الفكرانيّة بحمايته فكريّاً وسياسيّاً. على هذا تُعرف عن مجموعة
الأبَراتشيك بالنّفوذ والهيمنة على المفاصل الأساسيّة داخل بنية التّنظيم. فهي
ربّما لا يلحظها أحد من خارج التّنظيم كونها لا تحبّ الأضواء؛ فلا هي متحدّثة
لبقة، ولا هي قادرة على تقديم نفسها وفكرها بطريقة جذّابة، فضلاً عن فقدان أغلب
هذه الكوادر للجاذبيّة القياديّة. وقد تطرّق الخاتم عدلان لصعود نجم هذه المجموعة
في كتابه (آن أوان التّغيير، 2012)، ذلك دون أن يتستخدم مصطلح الأبَراتشيك في
تسميته لهم.
نخلص من هذا إلى الصّورة
التّالية التي تتكوّن من ثلاثة واجهات. أوّلاً، في الواجهة الأولى، لدينا
"المرافيد" الذين غادروا صفوف الحزب وهم يتلمّظون شفاههم إحساساً منهم
بالمرارة والإحساس العميق بالغبن تجاه الحزب (أو تحديداً تجاه قيادته)، بجانب
مفارقتهم للخطّ الفكري في صميم حياتهم، ولو كانت بهم بقيّة ذُبالة عاطفيّة لا تزال
تشُدُّهم إلى ماضيهم عندما كانوا أعضاء في الحزب الشّيوعي. ثمّ، في الواجهة الثّانية،
لدينا الفكرانيّون intellectuals الذين لم يغادروا صفوف الحزب
انطلاقاً من أنّ الإنسان هو صانع فكره بمثلما هو صانع وجوده. وبالتّالي، لا مجال
للزّعم بنضب معين الفكر الماركسي، ذلك بحكم أنّ كلّ ما سيتطوّر منه سيكون
ماركسيّاً بالضّرورة، مهما اختلفت طبعة ماركس نفسه عن ماركسيّته في مقابل طبعتهم
الماركسيّة الحاليّة. وعلى هذا لا زالوا باقين داخل صفوف الحزب الشّيوعي من منطلق
الالتزام التّنظيمي، ثمّ من منطلق الإيمان بقدراتهم الفكريّة الماركسيّة
التّجديديّة في تصحيح الوضع داخل الحزب نفسه، ثمّ من بعد ذلك الانطلاق في المدى
الوطني والإنساني الكبير، دفعاً لعمليّة الحرّيّة والعدل والسّلام، إذ لا سلام بلا
عدالة، كما لا عدالة بلا سلام. أخيراً لدينا، في الواجهة الثّالثة، الأبَراتشيك apparatchik الذين آخر ما يستحقّونه هو أن
يُلعنوا أو يدانوا. فهم حُرّاسُ المعبد، وهم خليّةُ النّحل، ولا يوجد تنظيم سياسي،
اجتماعي، عبر التّاريخ، خلا منهم. هذا بالرّغم من أنّ سيطرتهم على الحزب قد تفضي
بالحزب إلى موارد الهلاك.
"شلّة المزرعة":
الوضعيّة الأيديولوجيّة
تعاملنا مع هذه المجموعات
الثّلاث بوصفها "واجهات"، ذلك لاشتباكها مع بعضها البعض. ولا توجد مقولة
عكست هذا الاشتباك Interlacing (وليست الارتباط Engagement بالضّرورة) مثل مقولة "لا
يوجد أسوأ من الشّيوعي إلاّ الشّيوعي السّابق". فهنا يبدو أنّ تخلّي الشّيوعي
عن شيوعيّته ليس كافياً لتحريره من الشّيوعيّة كونه سوف يصبح مجرّد شيوعي سابق.
إلاّ أنّ هذا الاشتباك Interlacing
بين "مرافيد" الحزب الشّيوعي وبين الحزب ليست له أيّ صفة جدليّة، كونه
عبارة عن علاقة هدّامة، تتّجه بوصلة الهدم فيها من "المرافيد" باتّجاه
الحزب. فالجدليّةُ عندنا هي القانون الذي يحكم الصّراع البنّاء، وليس الصّراع
الهدّام. لهذا لا ينبغي أن يدفعنا هذا الاشتباك إلى أن نخلط بين
"مرافيد" الحزب في علاقتهم مع الحزب وبين الأعضاء الفكرانيّين intellectuals الحقيقيّين في علاقتهم مع الحزب.
فهؤلاء الأخيرون يمكن وصف علاقتهم مع الحزب بأنّها علاقة جدليّة، ذلك بحكم انعقاد
الأمل على مساعيهم في تطوير الحزب وتفعيله فكريّاً وتنظيميّاً وسياسيّاً.
وعلى هذا، لا بدّ من
التّفريق بين موقع أقدام "المرافيد" الأيديولوجيّة، وبين موقع أقدام
الفكرانيّين الثّقافيّة ــــ هذا باعتبار أنّ الأيديولوجيا ليست سوى تزييف للواقع
وللوعي، نسبةً لانغلاقها، بما يفضي إلى حالة الغباء الأيديولوجي، بعكس الثّقافة التي
التي تخلق الوعي، نسبةً لانفتاحها، بما يفضي إلى إنتاج الذّكاء الثّقافي الضّروري
للوجود. ويعني قولُنا هذا أنّ "المرافيد" هم مجرّد إيديولوجيّين ideologues، وما مفارقتُهم للحزب إلاّ من باب
اكتشاف انتمائهم الأيديولوجي الحقيقي الذي يتعارض تماماً والنّهايات المنطقيّة
التي يمكن أن يقود إليها الفكر الماركسي ــــ أيّ فكر ماركسي أصيل. هذا في مقابل
الشّيوتعيّين الفكرانيّين الذي هم ثقافيّون في المقام الأوّل، ذلك بحكم أنّهم
يؤمنون بقدراتهم في تطوير فكرهم الماركسي بما يساهم في تحقيق قيم الحرّيّة والعدل
والسلام بحيث يتساوى الجميع وينقلنا من استقطابات الأيديولوجيا بانغلاقها وطبيعتها
الخطّيّة Linear السّاكنة Static إلى رحابة الثّقافة بانفتاحها openness وطبيعتها المتفاعلة
الدّيناميكيّة.
شلّة المزرعة و"مرافيد"
الحزب الشّيوعي إسلاموعروبيّون بجدارة
بهذا نخلص إلى أنّ هؤلاء
"المرافيد" ليسوا سوى كوادر إسلاموعروبيّة كانت تعمل بوصفها خلايا نائمة
للأيديولوجيا الإسلاموعروبيّة، ذلك لدفع الحزب إلى الانحراف في اللحظة الحاسمة.
والملاحظ أنّ هؤلاء "المرافيد" هم دعاةُ تغيير اسم الحزب بغرض قطع أيّ
وشيجة مع الماركسيّة. ثمّ هم نفسهم المتصالحون مع الطّائفيّة ومع الإسلاميّين، ثمّ
العروبيّين؛ ثمّ مع العسكر والأجهزة الأمنية، بل والمليشيات، بما فيها تلك ذات
الأساس الإثني. فالحقيقة هي أنّ هؤلاء "المرافيد" ليست لديهم "قشّة
مُرّة" مع كلّ قطاعات السّودان القديم، بينما في نفس الوقت يتحامون قوى
السّودان الجديد وفكر السّودان الجديد، بحجّة أنّه قد أثبت فشله بموجب انفصال جنوب
السّودان إلخ هذه الآراء الفطيرة التي تكشف حقيقة مواقع أقدامهم الأيديولوجية.
الحقيقة هي أنّ مفارقتهم
للحزب الشّيوعي (بصرف النّظر أنجمت عن الاستقالة أو الطّرد، فكلاهما سِيّان عندنا)
قد أوجبتها عدم قدرتهم للمُضِيِّ أكثر من ذلك ضدّ ما تهواه أنفسُهم وتسعى إليه في
باطنها، سعياً حثيثاً يخلص في نهاياته المنطقيّة إلى توطيد الهيمنة الأيديولوجيّة
الإسلاموعروبيّة التي تتخفّى زوراً وبهتاناً خلف الثّقافتين العربيّة والإسلاميّة
السّمحتين. بالعودة إلى "شلّة المزرعة"، فقد حاولنا بأن نضعهم في علبهم
الأيديولوجيّة الإسلاموعروبيّة الحقيقيّة. ونأمل من فعلنا هذا أن يقف كإجابة
لتساؤلات الكثيرين من المراقبين الذين فاجأتهم مواقف هذه الشّلّة المناهضة لروح
الثّورة وخط الثّورة والمهادنة للطّائفيّة وفلول نظام الإنقاذ، فضلاً عن ظظاهر
محاباتهم للعسكريّين من لفيف اللجنة الأمنيّة بجانب المليشيات الإثنيّة. فقد وافق
شنٌّ طبقة!
MJH
الخرطوم ــــ 28 أغسطس 2020م