Thursday, November 14, 2019

النيوليبرالية والتأرجح ما بين وزير المالية وحمدوك! الحكومة ممثلةً في هذين الشخصين فاشلة يا قوى الثورة، فماذا أنتم فاعلون؟



النيوليبرالية والتأرجح ما بين وزير المالية وحمدوك
الحكومة ممثلةً في هذين الشخصين فاشلة يا قوى الثورة، فماذا أنتم فاعلون؟
محمد جلال هاشم
الخرطوم 15 نوفمبر 2019م
كون وزير المالية ينتمي للمدرسة النيوليبرالية فهو أمر معروف للجميع ولو أنكر إبراهيم البدوي ذلك ولجّ في النكران كما ظل يفعل. وكون حمدوك ينتمي لمدرسة الأمم المتحدة التي تؤمن بدولة الرعاية، فهو أيضا أمر معروف للجميع دون أن يكون لذلك أي علاقة بالشيوعية أو الماركسية التي تركها وراء ظهره منذ اللحظة التي التحق فيها بمنظمة الأمم المتحدة ـــ هذا مهما حاول أن يصوّر نفسه في صورة الشيوعي الماركسي الثوري وكلاهما بريئان منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب. فما لا يعلمه الكثيرون هو أن حمدوك أبدى للقوى الغربية الإمبريالية التي رشحته وضمنت له منصب رئيس الوزراء التزامه بالنيوليبرالية كسياسة لحكومته الانتقالية وذلك قبل أكثر من ثلاثة شهور من تقلده للمنصب. وبهذا تخلى حمدوك عما كان يعتقده الكثيرون أنه موقف فكري (دولة الرعاية)، بينما لم يكن ذلك في الحقيقة سوى موقف مهني بحت بحكم عمله في اللجنة الاقتصادية التابعة للأمم المتحدة. وقد أصبح الرجل في حل من ذلك بمجرد نزوله للمعاش حيث وجه أنظاره لدولة الإنقاذ (1) بقيادة البشير مطالبا برد جمائله الاستشارية التي قدمها لها. فما كان من دولة الإنقاذ إلا أن رشحته لمنصب رئيس الكوميسا الذي خسره لتكتل باقي الدول الأعضاء وترشيحهم لشخص آخر. عندها أبدى نظام الإنقاذ (1) التزامه برد جمائل حمدوك الاستشارية، فرشحوه لمنصب وزير المالية الذي وافق عليه ثم تراجع بعد أن تلقى النصيحة من بعض السفراء الغربيين بالاعتذار عن هذا المنصب. وقد جاء اعتذاره يحمل في طيّاته موافقته، حيث برر اعتذاره بأن رجلاً واحداً لن يكون في مقدوره تصحيح أخطاء عشرات السنوات .. إلخ. وبالمناسبة، كانت تلك هي نفس الدوائر الإمبريالية التي أعدّته لمنصب رئيس وزراء الفترة الانتقالية. وقد أوفوا بوعدهم وبقي عليه أن يفي بوعوده لهم، وهو ما يفعله الآن بطريق أو بآخر، كما سنرى.
إذن فالشيء المعروف عن حمدوك ووزير ماليته تعويلهما بصورة أساسية على روشتات صندوق النقد الدولي وتمويل البنك الدولي، هذا برغم إنكارهما لهذا الاتجاه، قبل تقلدهما لمنصبيهما وبعد تقلدهما. والأمر كهذا، كان الجميع يتوقع أن يُبدي الرجلان تفهما للإجراءات التي بموجبها يمكنهما أن يحصلا على مرادهما النيوليبرالي. ولكن بكل أسف أثبت الرجلان أنهما لا يعرفان ما تنبغي معرفته بالضرورة عن هذه الإجراءات؟ فقد أثبتا أنهما لا يعرفان أنه وفي ظل تمديد حالة الطوارئ الأمريكية الخاصة بالسودان وما نجم عن ذلك من إدراج اسم السودان في قائمة الدولة الراعية للإرهاب وما نجم عنه بالتالي من عقوبات ــــ في ظل هذا الوضع يكون قد تم تلقائيا تفعيل المواد القانونية الصادرة من الكونقرس الأمريكي التي تلزم أي ممثل لأمريكا في صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي، أو أي مؤسسة على وجه الأرض بعدم التصويت إيجاباً لأي مشروع يمكن أن يستفيد منه السودان (باستثناء بعض النواحي الإنسانية). وبما أن صدور أي قرار من الصندوق أو البنك الدولي يقتضي حصوله على نسبة بعينها على أقل تقدير بدونها لا يجوز إصدار أي قرار، وبما أن الولايات المتحدة قد ظلت تحرص على الحصول على قوة تصويتية في كلا المؤسستين بحيث يمكنها الاعتراض ميكانيكياً على أي قرار لا يتوافق ومصالحها، وهي القوة الناجمة عن مساهمتها مالياً في المنظمتين، عندها يصبح في حكم المستحيل أن يستفيد السودان بأي طريقة من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي. فلماذا وبأي مبرر ذهب الرجلان إلى هاتين المؤسستين يطالبان بالمال ويعدان بالالتزام بروشتة صندوق النقد الدولي؟
لقد ظن حمدوك أن الخطابة الطنّانة، الرنّانة هي الأسلوب المفضي إلى إسقاط اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. فقد أعلنها داوية أن الشعب السوداني ليس إرهابياً، كما لو كان هناك اتهام للشعب السوداني من هذا القبيل. وكذلك فعل وزير ماليته الذي احتقب أوراقه واستعداده الشخصي والمؤسسي ومن ثم توجه للمنظمتين طالبا العون وذلك في أول سفرية له. وقد حدث هذا بعد أن أغلظ في الأيمان من قبل مؤكداً أنه لا ينتمي للمدرسة النيوليبرالية. فبماذا عادا؟ ليس فقط بخفّي حُنين، بل عادا وقد جددت أمريكا وضعية السودان في قائمتها البيضاء (وليس السوداء!) المتعلقة بالإرهاب وما يتبع من عقوبات. فلماذا تُتعب أمريكا نفسها إذا كانت هناك دولة مستعدة للرضوخ لجميع مطالبها مجانا وبلا أي ثمن؟ هذا ما كان من أمر نظام الإنقاذ (1) بقيادة البشير، وهو ما كان أيضا من أمر الإنقاذ (2) بقيادة عبد الفتاح برهان لو امتدت أيامها، وهذا هو أمر الإنقاذ (3) بقيادة عبد الفتاح برهان ورئيس حكومته المدنية الصورية عبدالله حمدوك. فكأننا يا بدرُ لا رحنا ولا جينا! لقد أكدت تصريحات وزيارات حمدوك ووزير ماليته النيوليبرالي للعالم أنهما لا يعرفان شيئاً من إجراءات منظمات يدعيان أنهما عملا بهما وبالتالي هما خبيران بدروبهما.
الجميع يعلم أن رفع العقوبات الأمريكية يبدأ في الخرطوم وليس في واشنطون. فأمريكا لم تدرج السودان ضمن الدول الراعية للإرهاب من فراغ. اليوم هناك شركات باسم الجيش والأمن والبوليس والدعم السريع (وجميعها قوات نظامية بموجب الوثيقة الدستورية)، فضلاً عن شبكة من الشركات الأخطبوطية غير المعروف عددها ويملكها منسوبو الإنقاذ وتمارس عملها في السوق، تبيع وتشتري، حتى دون أن يكون بعضها مسجلاً لدى المسجل التجاري. وتقارب ميزانيات هذه الشركات، الحقيقية والوهمية، المدنية والعسكرية، فيما يعتقده الكثير من المراقبين، نصف الدخل القومي على أقل تقدير دون أن يكون لحكومة حمدوك أو زوير المالية أي ولاية عليها. وبمجرد سقوط الإنقاذ (2) برئاسة عبد الفتاح برهان ومجيء الإنقاذ (3)، برئاسة برهان فعلياً وحمدوك اسمياً، قامت هذه الشركات بإنزال لافتاتها ومن ثم تحويل ملكية أوراقها إلى أشخاص وهي لا تزال تعمل بنشاط في السوق. بموجب أحد تعريفات الإرهاب، هذه هي الأموال التي تمول الإرهاب كونها أموالاً ليست عليها أي ولاية من أي جهة حكومية، وبالتالي لا يمكن التكهن بمشارع صرفها. فإذا أراد حمدوك ووزير ماليته أن تقوم أمريكا برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، عليهما، أولاً وقبل كلّ شيء، أن يُدخلا هذه الأموال ضمن ولاية وزارة المالية. هذه واحدة من الإجراءات العديدة التي يتوجب على حكومة حمدوك أن تبدأ بها، هذا لو كانت حكومته تملك سلطةً حقيقية. ولكن كيف نتوقع هذا من حمدوك ووزير ماليته وهما أعجز من أن يصدرا قراراً بوقف واردات الفواكه المسرطنة، غير العضوية بالمرة، ثم التمور، التي تكلف خزينة الدولة ملايين الدولارات وتقف خلفها نفس الشركات التي تملكها هذه الجهات، مدنيّها وعسكريّها؟ هذه الواردات التي تضرب المنتوج الوطني من الفواكه في مقتل.
هناك قوى محلية وقوى دولية تقف وراء تشكيل حكومة حمدوك. القوى المحلية تتمثل في الطائفية بصورة أساسية ثم الكومبرادور الإمبريالي المتغلغل داخل تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير. وما يجمعها كلها أنها تخضع أو تتبنى الأيديولوجيا الإسلاموعروبية، أكانت طائفية مثل حزب الأمة، أو فصائل اتحادية، أو مؤتمر سوداني، أو فصائل قومية عربية، أو مرافيد الحزب الشيوعي (تمشياً مع مقولة "لا يوجد أسوأ من الشيوعي إلا الشيوعي السابق"). هذه القوى يقف الشقّ الطائفي داخل حزب الأمة على قيادتها متناسياً خلافاته مع بعضها إلى حين. وتكمن خطة هذا الشق الطائفي في حزب الأمة في خلق تحالف مع بقايا الإسلاميين (بعد تجريدهم من قياداتهم باعتقالها بحجة محاكمة الانقلابيين والفاسدين)، ثم إشراك الاتحاديين بقيادة الشق الطائفي داخل الفصائل الاتحادية، ثم بعد ذلك التحالف مع المجموعات العربية الوافدة من دول الجوار الغربي، وبالطبع يعني هذا التحالف مع مليشيات الجنجويد المسماة بالدعم السريع بوصفها قوة حماية ضاربة لهذا التحالف، بجانب العسكريين الذين على استعداد لتفكيك الجيش وتتبيعه للدعم السريع. بمجرد انعقاد لواء هذا التحالف، سوف تجد القوى الإسلاموعروبية الأخرى التي ليس لها أساس ديني واضح وتتظاهر بأنها علمانية دون أن تقرّ بذلك لجبنها وتخفيها خلف كلمة "الدولة المدنية" (البعثيون والناصريون والمؤتمر السوداني ومرافيد الحزب الشيوعي، دون الانتهازيين، المدنيين العباسيين، منهم الذين يلبسون لكل حالٍ لبوسها) ـــ ستجد نفسها قد حصدت الهواء، هذا ما لم تنخرط في بيت الطاعة الطائفي. وقد تمثل سنام خطة هذه القوى الإسلاموعروبية الطائفية في تشكيل حكومة فاشلة تبرر إسقاطها قبل انتهاء فترة رئاسة العسكريين للمجلس السيادي، هذا بزعم فشل الفترة الانتقالية كلها. هذه هي الخلفية المحلية التي وقفت وراء تشكيل حكومة حمدوك الفاشلة. لا غرو أنهم انتقوا شخصاً يعرفون عنه تماماً ضعف الشخصية وانعدام الرؤية، كونه مجرد أفندي لا يهمه غير إرضاء رؤسائه والترقي إلى أعلى ولو كان هذا على رؤوس الجماجم. ثم دعموه بوزير مالية طائفي حتى النخاع، ثم هو قبل كل هذا وبعده نيوليبرالي المذهب. ولا أعرف غيره رجلاً جمع هاتين الموبقتين معاً ثم مشى بين الناس متباهياً.
ثم هناك قوى دولية وقفت وراء تشكيل حكومة حمدوك الفاشلة، يمكن تلخيصها في المعسكر الإمبريالي الغربي وتقف الولايات المتحدة وبريطانيا على رأسها. وقد لعبت بريطانيا دور رأس الرمح في تهيئة حمدوك لهذا الدور حيث نصحوه بالعدول عن قبول منصب وزير مالية نظام الإنقاذ (1) برئاسة المخلوع عمر البشير، ثم اتصلوا به منذ شهر يناير 2019م لتحضيره لمنصب رئيس الوزراء حيث تمكنوا من الاتفاق تماماً معه بحلول شهر مارس 2019م. كل هذا دون أن يكلف الرجل نفسه في تحضير سياسة بعينها يمكنه أن يدير الدولة بموجبها. ولماذا يفعل هذا؟ فمن أتوا به عليهم أن يقوموا برسم هذه السياسات وهو سينفذها كأي أفندي. ولكن ليس من بينها قوى الحرية والتغيير التي صرح حمدوك في أكثر من موقع أنه لن يلتزم بما تقوله، ذلك توهماً منه بأن القوى الغربية هي التي تقف وراءه، دون أن يدري بأن أمّ عامرٍ (الضبع) لا تؤتمن بالمرة إلا من الجهلة الأغرار. فحمدوك هو أول من انتهك الوثيقة الدستورية التي قررت بوضوح أنه يتوجب عليه أن يختار وزراءه من الترشيحات التي ستقدمها له قوى الحرية والتغيير، فكان أن صرّح على رؤوس الأشهاد أنه لن يلتزم بذلك، فكان أتى بوزراء لا يعرف الشعب حتى الآن الجهات التي رشحتها له. ثم انقلب الرجل على أهله أسيفاً باكياً ليعلنها "بدون خجلة" أنه لا يملك أي رؤية لإدارة الدولة وأنه يتوجب على قوى الحرية والتغيير أن تمده بهذه الرؤية [كذا]! فما لا يعلمه حمدوك هو أن القوى الإمبريالية التي وقفت خلف الإتيان به كانت لا تزال تعوّل عليه بصورة نهائية في إنفاذ برامجها بالسودان عبر خطتيها، أي الخطة ألف (Plan A) الإصلاحية التي تتلخص في أن ينجح السودان في التخلص من البنية الإرهابية المغروزة عميقاً في الدولة الإنقاذية وبذلك ينضمّ السودان إلى قائمة الدولة الخاضعة لخطّها، وبالتالي تُرفع عنه العقوبات. ولكن في حال تأزم الوضع في السودان بوصفه دولة غير متحكَّم فيها ungovernable state، فعندها سوف يكون حمدوك نفسه مفيداً لها حيث سيتم استخدام فشله الذريع لتحقيق الأهداف الإمبريالية الأخرى، أي تنفيذ الخطة باء، (Plan B)، ألا وهي تفكيك دولة السودان الكبير إلى دويلات صغيرة على غرار نموذج الدولة المشيخية بالخليج حيث يمكن أن تكون واحدة منها فاحشة الثراء لكنها غير قادرة على حماية نفسها. فإذا سار حمدوك في نفس مجرى دولة الإنقاذ (1) ثم قصيرة العمر الإنقاذ (2)، وأثبت أن فترته هي مرحلة الإنقاذ (3)، كما أثبت واقع الحال هذا ولا زال يثبته كل يوم، فعندها سوف تتعامل معهم قوى الإمبريالية، وعلى رأسها أمريكا، بنفس الطريقة التي تعاملت بها مع الإنقاذ (1) برئاسة المخلوع عمر البشير. وعلى هذا لا يبقى لوزير المالية، وكذلك لحمدوك، غير المزيد من الانبراش المجاني للمؤسستين (صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) اللتين تعتبران بمثابة رأس الرمح للإمبريالية العالمية. هذا دون أن تخفف أمريكا الحصار عن السودان ودون أن ترفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، بالضبط كما ظلت تفعل مع الإنقاذ (1)؛ يعني ذلة وخراب ديار، بالضبط كما كان عليه الحال في زمن الإنقاذ، ولهذا قلنا كأننا يا بدرُ لا رحنا ولا جينا. ولكن وزير مالية حمدوك كان على استعداد غير مسبوق للانبراش، ليس للقوى العظمى، بل وكلائها في المنطقة حيث صرّح "بدون خجلة برضو" أن ميزانية 2010م سوف يقوم الأصدقاء (العرب طبعاً) بتمويلها (أي كما كانوا يفعلون مع حكومة المخلوع عمر البشير). ولا ينبغي أن نلومه في هذا، فقد صرّح بذلك حمدوك نفسه عندما أعرب عن تعويله على هؤلاء الأعراب الذي داوموا على تمويل المخلوع البشير، لكن عبر إجراءات مهينة ومذلة. وفي الحقيقة كانت وزيرة خارجية حمدوك غير الحصيفة، التي لا ندري من أين أتى بها، ومن رشحها له، قد سبقتهما من قبل بتمييزها ما بين الأفارقة الجيران والإخوة العرب [كذا]!
إذن فجميع القوى المحلية والدولية تعوّل على فشل حكومة حمدوك، وأخطر هذه القوى هي المحلية الإسلاموعروبية المتشكلة من تحالف الطائفية والمستعربين الوافدين من دول الجوار الغربي بمليشياتهم الإثنية، ثم العسكريين الذين سيعملون على تفكيك الجيش السوداني. هذه القوى أعلنت وعلى رؤوس الأشهاد عن نيتها خرق الوثيقة الدستورية عبر حل حكومة حمدوك بوصفها فاشلة، وهو الفشل الذي عملت بكل ما تملك لتحقيقه عبر اختيار العناصر الفاشلة بما في ذلك حمدوك نفسه ووزير ماليته وآخرون. وبالطبع، تجايرها وتسايرها في هذا باقي القوى الإسلاموعروبية غير الطائفية التي سيتم بدورها التخلي عنها في اللحظة المناسبة، ما لم تدخل بيت الطاعة الطائفي. فماذا أنتم فاعلون يا قوى الثورة المجيدة؟
ينبغي أولاً أن نواجه الحقيقة الماثلة للعيان، وهي ذات شقين: الأول هو الفشل الأدائي الماحق والشخصي لكلا حمدوك ووزير ماليته، والثاني هو الفشل البنيوي الراكز في صلب هذه الحكومة. بخصوص الأول، علينا المطالبة الآن وليس غداً بإقالة حمدوك ووزير ماليته فورا ودون تأخير. أما بخصوص الثاني، فعلينا أن نتوقف عن تسمية هذه الحكومة بالانتقالية، إذ علينا أن نسميها باسمها الذي حُرمت منه، ألا وهو "الحكومة الثورية"، وليس الحكومة الانتقالية؛ فالتسمية الأولى تعني أنه لا مجال لغير الثوار في أن يشغلوا مقاعد هذه الحكومة على ألا تزيد أعمارهم عن 55 عاماً، بينما يمكن للخبرات التي تزيد أعمارُها عن هذا أن تخدم في المجالس الاستشارية لكل وزير. ويعني هذا تجاوز الحفرة التي قُصد منها أن تُقبر الثورةُ في مهدها عبر تنصيب من يسمّون بالتكنوقراط. فهؤلاء ليسوا بثوريين، بل هم أفندية، وما الأفندي إلا قوة رجعية غير ثورية لا يعنيه شيء إلا طاعة رؤسائه والاستفادة الشخصية من هذه الخدمات. ويقف حمدوك ووزير ماليته كنماذج حيّة لشخصية الأفندي الفاشلة؛ فغدا سوف يبحثون لهم عن وظائف، مستفيدين من فترة خدمتهم هنا كسيرة ذاتية مفيدة ليس إلا. عليه، لا ينبغي أن نُجمل الحكم بالفشل على الحكومة كلّها، بل على هذين الشخصين الفاشلين. وبمجرد تعيين رئيس وزراء ثوري بديل ووزير مالية ثوري بديل، يتم إعفاء جميع الوزراء الذين اختارهم حمدوك، الذين لم تقم بترشيحهم الجهات المختصة في تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير. متزامناً مع هذا، تقوم قوى الحرية والتغيير بتشكيل المجلس التشريعي الثوري من القوى الثورية الميدانية ومن الشباب من الجنسين بصورة خاصة، بما يعني تمثيل جميع ألوان الطيف التي لعبت دورها الكبير في الثورة الشعبية المجيدة غير المسبوقة، وبالأخص التمثيل الإيجابي للكنداكات الشابات.
ولا يظنّن أحد أننا بقولنا هذا نعني بأن الأمور سوف تستقيم ضربة لازمٍ بمجرد اتخاذ هذه الإجراءات! إذ ستكون هناك مواجهة بين القوى الثورية القاعدية والقيادية التي قادت هذه الثورة على الأرض وعلى مستوى الحكومة من جانب وبين القوى الإسلاموعروبية المتمثلة في الهبوط الناعم بشقيها الطائفي وغير الطائفي. كما ستكون هناك مواجهات بين هذه القوى الثورية الحقة من جانب وبين المليشيات الإثنية وقوى الثورة المضادة من العسكريين. ونعني بقولنا هذا إن الثورة مستمرة وينبغي أن تستمر إلى أن تقتلع جميع جذور الإنقاذ (1) ثم الإنقاذ (2) وأخيراً الإنقاذ (3) التي نعيش أيامها الآن بفشلها وعقمها. فالمجد المتمثل في تحقيق قيم الحرية والعدل والسلام ليس بتمرٍ مبذولٍ في الطرقات لنأكله، إذ لن نبلغ المجدَ حتى نلعقِ الصّبرَ!

No comments: